هل يوجد سنة قبلية لصلاة الجمعة؟
يسأل كثير من الاخوة المصلين هذا السؤال وخاصة أهل الشام وما حولها ممن توارثوا المذهب الشافعي توارثاً بعيداً عن البحث العلمي والرأي السديد المدعوم بالاحاديث والحجج القوية . ولأجل أهمية هذا البحث فإني أضع بين أخواني المسلمين آراء كثير من العلماء حول هذا الموضوع ليطمئن الاخوة على صلاتهم واهتمامهم بالنهج النبوي الصافي الذي لا يكدره التقهقر المذبي المتحجر الذي لا ينصاع الى قول الله تعالى ولا الى قول رسوله عليه الصلاة السلام.
وقد وجه مثل هذا السؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية والسؤال هو :
"يفتي كثير من الناس أن هناك سنة للجمعة القبلية ويقولون أن لديهم أدلة معتبرة من قبل الأئمة الأربعة وأتباعهم في مشارق الأرض ومغاربها، ويقولون أن الأئمة الأربعة مع من تبعهم هم الأكثرية الساحقة للمسلمين فإذا دار حكم خلافي بين فريقين من المسلمين فريق يمثل الأكثرية، وفريق على الأقلية فالعمل بما عليه الأكثر؛ أولى وأوفق، بوصايا الخلف عن السلف، وبقوله صلى الله عليه وسلم: « الجماعة رحمة والفرقة عذاب ».
ويقول هؤلاء المفتون بارك الله بهم:ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام هذه السنة القبلية، فقد أخرج الترمذي عن « عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ».
ويقولون أنه صلى الله عليه وسلم أمر سليك الغطفاني حين دخل المسجد والنبي فوق المنبر يخطب بإقامة ركعتين، لا سيما وفي بعض الروايات قال له: « هل صليت قبل أن تجيء ؟
ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: « بين كل أذانين صلاة » أي بين كل أذان وإقامة.
ويعتبرون ان الجمعة مثل الظهر قياساً بجامع الفرضية العينية. نرجو من فضيلتكم أن تبينوا للناس أسانيد الأحاديث التي أوردها من يقول بسنّية هذه الصلاة، هل هي صحيحة، ولا سيما حديث الترمذي : « كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا » هل هو حديث صحيح الإسناد، أم ضعيف؟ وهل الاستدلال بحديث سليك الغطفاني حجة لصلاة سنة قبل الجمعة استدلال صحيح أم لا؟
فكان الجواب من اللجنة الدائمة ما يلي:
ليس لصلاة الجمعة سنة قبلها ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم شيء في مشروعيتها، وأما حديث ابن مسعود فرواه الترمذي معلقا بصيغة التمريض، وموقوفا على ابن مسعود ، ونقل في التحفة عن الحافظ أن عبد الرزاق والطبراني أخرجاه مرفوعا وفي سنده ضعف وانقطاع. ومثل هذا لا يحتج به.
وأما حديث أبي هريرة في أمر سليك فصحيح،" دون قوله قبل أن تجيء فإنه شاذ "( ) ولكنه في تحية المسجد لا في السنة القبلية للجمعة، وأما حديث: « بين كل أذانين صلاة » فلا يتأتى في الجمعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبدأ الخطبة بعد انتهاء الأذان ولا يجوز التنفل والإمام يخطب خطبة الجمعة إلا تحية المسجد، وأما القياس فممنوع في العبادات؛ لأنها مبنية على التوقيف ثم هو قياس مع الفارق، لكن يشرع لمن أتى إلى المسجد لصلاة الجمعة أن يصلي ما كتب له من غير تحديد بعدد معين لصحة الأحاديث بذلك.وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم." ( )
وقد سئل أيضاً الشيخ ابو اسحاق الحويني وهو عالم مصري:
"كثر الكلام عن سنة الجمعة القبلية وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بعدم وجود سنة قبلية للجمعة، والسؤال هو: هل يجوز أن اصلي بعد الأذان الأول ركعتين بنية التطوع وليس بنية أنها سنة الجمعة ؟.
فأجاب فضيلته : إذا دخلت المسجد بعد الأذان الأول فصليت ركعتي تحية المسجد فلا بأس بذلك . أما أن تكون جالسا داخل المسجد ثم تقوم بعد الأذان الأول لصلاة ركعتين فهذه بدعة لا تجوز حتى و لو كانت النية صلاة تطوع والله تعالى أعلم"( ).
وقد وجه نفس السؤال للشيخ حسام الدين عفانة فأجاب:
"لقد قرر علماء الإسلام أن الأصل في العبادات التوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن في أمورنا مأمورون باتباعه والاقتداء به .قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ )( ) وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها وعلم الصحابة كيف يصلون وصلى أمامهم وقال
صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري .
إني أقر جازماً أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سن لأمته ركعتين تسميان سنة الجمعة القبلية فلم يثبت ذلك عنه قولاً ولا فعلاً ولم يرد في سنة الجمعة القبلية حديث صحيح صريح وإنما وردت بعض الأحاديث التي لا يعول عليها ولا يحتج بها .
ولا بد من الرجوع إلى هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة وكيف كان يفعل حتى نرى هل سن لأمته سنة قبل الجمعة أم لا .
قال العلامة ابن القيم :[ وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين ولم يكن الأذان إلا واحداً وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها وهذا أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته فإذا رقى المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل وهذا رأي عين فمتى كانوا يصلون السنة؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة" ( ).
"وأما ما ورد في بعض الأحاديث من إشارة إلى سنة الجمعة القبلية فهي أحاديث باطلة أو ضعيفة لا تقوم بها الحجة فمنها ما جاء عن عائشة رضي الله عنها
أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي قبل الجمعة ركعتين في بيته ) فهذا حديث باطل مكذوب.
ومنها حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام
كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعاً ) وهذا حديث ضعيف بهذا السياق ومنها أنه عليه الصلاة والسلام
كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً ) وهذا ضعيف جداً .
وهنالك أحاديث أخرى ضعيفة تكلم عليها الحافظ ابن حجر في فتح الباري 3/73 .
قال الشيخ ناصر الدين الألباني بعد أن ذكر بعض الأحاديث الواهية في سنة الجمعة القبلية ما نصه :[ ولهذا كان جماهير الأمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة بعدد لأن ذلك يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسن في ذلك شيئاً لا بقوله ولا بفعله وهذا هو مذهب مالك والشافعي وأكثر الصحابة وهو مشهور في مذهب أحمد ] . وقال الحافظ العراقي :[ ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها ]"( ).
"وقال الحافظ المناوي في فيض القدير :[ ولذلك لم يرد لهذه السنة المزعومة ذكر في كتاب " الأم " للإمام الشافعي ولا في " المسائل " للإمام أحمد ولا عند غيرهما من الأئمة المتقدمين ] .
ولذلك فإنه يظهر لنا جلياً أنه لم يثبت عن رسول الله عليه وسلم سنة قبلية للجمعة وإنما الثابت عنه السنة بعد الجمعة فقط .
وينبغي ألا يُغتر بكثرة الفاعلين لما يسمى بالسنة القبلية فإن هذه القضية من العبادات والأصل فيها كما ذكر ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من دليل صحيح يحتج به وأما كثرة الفاعلين لها فلا دليل معهم فلا عبرة بفعلهم"( ) .
فلنتقي الله تعالى جميعاً وكفانا مكابرة وعناداً وتحزباً للمذاهب على هدي غير هدي الله تعالى ونبية وصلى الله تعالى على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.والحمد لله رب العالمينز
لمزيد من المعلومات والاسئلة يرجى التواصل على العنوان التالي: