معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

ما مِن خصلةٍ من
خصال الخير إلا ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفر الحظ والنصيب من
التخلق بها ، وقد صفه الله تعالى بلين الجانب لأصحابه فقال : { [color:1904=0000ff]فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }(آل عمران: من الآية159) ..
وفي معاملته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه من حسن الخُلق ما لا يخفي ، ومن ذلك أنه كان يقضي حوائجهم ، ويتواضع معهم ،
ويجيب دعوتهم ، ويزور مرضاهم ، ويشهد جنائزهم ، ويدعو لهم ولأبنائهم ،
ويشفق عليهم ، ويشعر بآلامهم ، وينهاهم عن المبالغة في مدحه
..
عن [color:1904=800000]عبد الله بن أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ في وصفه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( .. [color:1904=008000]ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته )([color:1904=800000]النسائي) .

وعن [color:1904=800000]سهل بن حنيف - رضي الله عنه ـ قال : ( [color:1904=008000]كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم )([color:1904=800000]الحاكم) .

وعن [color:1904=800000]أنس - رضي الله عنه ـ قال : ( [color:1904=008000]كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزور الأنصار، فيسلم على صبيانهم ، ويمسح برؤوسهم ، ويدعو لهم )([color:1904=800000]النسائي) .

وعن [color:1904=800000]ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع [color:1904=800000]عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول على المنبر: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( [color:1904=008000]لا تطروني [color:1904=008000]كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده ، فقولوا عبد الله ورسوله )([color:1904=800000]البخاري) ومعنى تطروني أي [color:1904=008000] : تبالغوا في مدحي .
وكان - صلى الله عليه وسلم - عادلا بينهم لا يحابي أحدا بغير حق .. ولما كلمه ـ حِبه ـ [color:1904=800000]أسامة بن زيد في العفو عن المرأة المخزومية التي سرقت ، تلون وجهه - صلى الله عليه وسلم ـ وقال : ( [color:1904=008000]أتشفع
في حد من حدود الله؟ ، ثم قام فاختطب ثم قال : إنما أهلك الذين قبلكم أنهم
كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد
، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )([color:1904=800000]البخاري) ..

ومن
هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه في وقت الشدة والبلاء التسلية
والعزاء ، فكان يشعر بآلامهم ، ويجعل لهم من محنهم منحا ، ومن الحزن فرحا ،
ومن الألم أملا ..
من صور ذلك ما رواه [color:1904=800000]أنس
- رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق،
فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ، فلما رأى ما بهم من
النَصَب والجوع قال : ( [color:1904=008000]اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة .. فقالوا مجيبين له : نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا )([color:1904=800000]البخاري) .
وقال [color:1904=800000]قرة بن إياس - رضي الله عنه - : ( [color:1904=008000]كان
نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه ، وفيهم
رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه ، فهلك(مات) ، [color:1904=008000]فامتنع
الرجل أن يحضر الحلقة ، لذكر ابنه ، فحزن عليه ، ففقده النبي - صلى الله
عليه وسلم - فقال : مالي لا أرى فلانا؟ ، قالوا : يا رسول الله ، بنيه الذي
رأيته هلك . فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بنيه ، فأخبره
أنه هلك ، فعزاه عليه ، ثم قال : يا فلان أيما كان أحب إليك : أن تمتع به
عمرك ، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه
يفتحه لك؟ ، قال : يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب
إليَّ ، قال : فذاك لك ، فقالوا : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا ؟ ، قال
: بل لكلكم )([color:1904=800000]النسائي) .

ومن أحواله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه استشارته لهم ، فكثيراً ما كان يقول لهم : ( [color:1904=008000]أشيروا عليَّ أيها الناس )([color:1904=800000]مسلم)..

وكان
ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشارك أصحابه ما يعانونه من فقر وجوع ، فإذا حلَّ
الجوع بهم يكون قد مر به قبلهم ، وإذا أرسل أحد إليه بصدقة ، جعلها في
الفقراء من أصحابه ، وإن أُهْدِيت إليه هدية أصاب منها وأشركهم فيها ، وكان
معهم أجود بالخير من الريح المرسلة ، كما وصفه بذلك [color:1904=800000]عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ..
عن [color:1904=800000]محمد بن جبير قال: أخبرني [color:1904=800000]جبير بن مطعم : ( [color:1904=008000]أنه
بينما يسير هو مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه الناس مقفلة من
حنين ، فعلقه الناس يسألونه ، حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه ، فوقف
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : أعطوني ردائي ، لو كان لي عدد هذه
العضاه نعماً لقسمته بينكم ، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا )([color:1904=800000]البخاري)..
مقفلة
: راجعة من حنين ، السَّمُر : شجر طويل قليل الظل صغير الورق قصير الشوك ،
الرداء: ما يوضع على أعالي البدن من الثياب ، العضاه : نوع من الشجر عظيم
له شوك ، النعم : الإبل والشاء ، وقيل الإبل خاصة ..

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُغدق في العطاء لمن يتألفه ، قال [color:1904=800000]أنس - رضي الله عنه - : ( [color:1904=008000]ما
سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام شيئاً إلا أعطاه ،
قال فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه فقال : يا قوم
أسلموا ، فإن محمداً يعطي عطاء لا يخشى الفاقة ..)([color:1904=800000]البخاري).
وجاء إليه [color:1904=800000]سلمان الفارسي حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب ، فوضعها بين يديه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( [color:1904=008000]ما هذا يا [color:1904=800000]سلمان؟ ، [color:1904=008000]قال
: صدقة عليك وعلى أصحابك ، قال : ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة ، فرفعها ،
فجاء من الغد بمثله ، فوضعه بين يديه يحمله ، فقال : ما هذا يا [color:1904=800000]سلمان؟ ، [color:1904=008000]فقال : هدية لك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : ابسطوا .. )([color:1904=800000]أحمد) .. ومن ثم قال [color:1904=800000]أنس ـ رضي الله عنه ـ محدثاً عن أثر هذه المعاملة الحسنة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( [color:1904=008000]إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا ، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها )([color:1904=800000]مسلم)..

وكان
- صلى الله عليه وسلم - حريصاً على تعليم أصحابه .. حينما أساء رجل في
صلاته فعلمه صفتها ، وسُمِّي حديثه بحديث المسيء صلاته ، وقال ـ صلى الله
عليه وسلم ـ لهم ولنا من بعدهم : ( [color:1904=008000]صلوا كما رأيتموني أصلي )([color:1904=800000]البخاري) .
وفي حجة الوادع قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( [color:1904=008000]لتأخذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه )([color:1904=800000]مسلم).
وقال [color:1904=800000]أبو ذر- رضي الله عنه - : " تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما " ..
وكان - صلى الله عليه وسلم - يمزح معهم ، ولا يقول إلا حقا .. فعن [color:1904=800000]أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( [color:1904=008000]إني لا أقول إلا حقاً ، قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله؟! ، فقال : إني لا أقول إلا حقا )([color:1904=800000]أحمد).
ومن صور مزاحه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه : أنه رأى [color:1904=800000]صهيبا وهو يأكل تمرا ، وبعينه رمد، فقال : ( [color:1904=008000]أتأكل التمر وبك رمد؟ ، فقال صهيب : إنما آكل على شقي الصحيح ليس به رمد ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ )([color:1904=800000]الحاكم) ..
وكان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يمازحونه لعلمهم بتواضعه وكريم أخلاقه معهم ..
قال [color:1904=800000]عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - : ( [color:1904=008000]أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وهو في قُبَّة من أَدَم (جِلد)[color:1904=008000] ، فسلمت ، فرد ، وقال : ادخل ، فقلت : أكلي يا رسول الله؟، قال : كلك ، فدخلت )([color:1904=800000]أبو داود) ..
وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى لأحد أن يحتقر أو يسب أحدا من أصحابه ، ولو كان صحابيا مثله ..
فعن [color:1904=800000]عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه [color:1904=800000]عبد الله ،
وكان يلقب حمارا ، وكان يُضْحِك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان
النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب ، فأتي به يوما فأمر به
فجلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ، ما أكثر ما يؤتى به ، فقال النبي
- صلى الله عليه وسلم - : ( [color:1904=008000]لا تلعنوه ، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله )([color:1904=800000]البخاري) .
وفي
ذلك دليل على أن الكبائر لا تخرج أصحابها من الإيمان ، وعلى حكمة النبي -
صلى الله عليه وسلم ـ وحبه لأصحابه .. فإن الغرض إصلاح المخطئ لا إقصاؤه
وإبعاده ، فما أعظم شفقته على أمته ، وحرصه على أصحابه !..
وعن [color:1904=800000]ابن مسعود -
رضي الله عنه - أنه كان يجتني سواكا من الأراك ، وكان دقيق الساقين ،
فجعلت الريح تكفؤه ، فضحك القوم منه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- : ( [color:1904=008000]مم تضحكون؟ ، قالوا: يا نبي الله ، من دقة ساقيه ، فقال : والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد )([color:1904=800000]أحمد).
وكان - صلى الله عليه وسلم - يثني على أصحابه إظهاراً لفضلهم وعلو قدرهم ..
عن [color:1904=800000]أنس بن مالك - رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( [color:1904=008000]أرحم أمتي بأمتي [color:1904=800000]أبو بكر ، [color:1904=008000]وأشدهم في أمر الله [color:1904=800000]عمر ، [color:1904=008000]وأصدقهم حياء [color:1904=800000]عثمان ، [color:1904=008000]وأقرؤهم لكتاب الله [color:1904=800000]أُبَي بن كعب ، [color:1904=008000]وأفرضهم [color:1904=800000]زيد بن ثابت ، [color:1904=008000]وأعلمهم بالحلال والحرام [color:1904=800000]معاذ بن جبل ، [color:1904=008000]ألا وإن لكل أمة أمينا ، وإن أمين هذه الأمة [color:1904=800000]أبو عبيدة بن الجراح )([color:1904=800000]الترمذي) .
وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلح بينهم .. فعن [color:1904=800000]سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - : ( [color:1904=008000]أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بني [color:1904=800000]عمرو بن عوف ليصلح بينهم )(البخاري).
ومن صور معاملته - صلى الله عليه وسلم – لأصحابه قيامه بحمايتهم .. فعن [color:1904=800000]أنس بن مالك - رضي الله عنه ـ قال : ( [color:1904=008000]كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس ، وكان أجود الناس ، وكان
أشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قِبَل الصوت ،
فتلقاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو
على فرس [color:1904=800000]لأبي طلحة [color:1904=008000]عري، في عنقه السيف وهو يقول : لم تراعوا ، لم تراعوا )([color:1904=800000]البخاري).
قال [color:1904=800000]ابن حجر : " وقوله : لم تراعوا : هي كلمة تقال عند تسكين الروع تأنيساً ، وإظهاراً للرفق بالمخاطَب " ..
وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى أن يحزن أحد من أصحابه في نفسه عليه ..
عن [color:1904=800000]عبد الله بن زيد بن عاصم ـ
رضي الله عنه ـ قال : لما أفاء الله على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم
حنين قسَّم في الناس في المؤلفة قلوبهم ، ولم يعط الأنصار شيئا ، فكأنهم
وجدوا(حزنوا) ، إذ لم يصبهم ما أصاب الناس ، فخطبهم فقال : ( [color:1904=008000]يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ، وكنتم عالة فأغناكم الله بي ) . كلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن ، قال: ( [color:1904=008000]ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) ، قال : كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن ، قال : ( [color:1904=008000]لو
شئتم قلتم : جئتنا كذا وكذا .. أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير
وتذهبون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى رحالكم ، لولا الهجرة لكنت امرأ
من الأنصار ، ولو سلك الناس واديا وشِعْبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها ،
الأنصار شعار ، والناس دثار ، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني
على الحوض )([color:1904=800000]البخاري).
الشعار : الثوب الذي يلي الجلد من البدن ، الدثار : الثوب الذي يكون فوق الشعار ..
وفي رواية [color:1904=800000]أحمد قال : ( [color:1904=008000]فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا .. ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وتفرقوا ) ..
هذه بعض الصور والسطور المضيئة من صفحات معاملة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه ، فما أحوجنا إلى أن نحول هديه وخلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى سلوك عملي تنتظم به أمورنا ، وتسعد به حياتنا .